عمل المرأة في الإسلام

المقدمة

إن الإسلام هو أكثر ديانة اهتمت بشئون المرأة ورفعت من مكانتها وإن حاول الكثيرون إنكار ذلك والترويج لغيره، فالإسلام من البداية يخاطب المرأة والرجل على حدٍّ سواء، وأوامر الشريعة تشملهم بطريقةٍ شبه متساوية إلا في بعض الأمور والتي تأتي في صالح المرأة أولًا، فالإسلام رفع من مكانة المرأة في بلاد العرب، فقد جاءت في تعاليمه إلزام الرفق بهن، والنهي عن تويجههن بغير رضا منهن، والنهي كذلك عن أكل أموالهن بغير حق، وأعطاه الحق في الميراث بعد أن كانت العرب في لجاهلية تحرمها من هذا الحق، بل وكان الرجل إذا علم أن مولوده القادم فتاة اسودّ وجهه، فأطاح الإسلام بكل ذلك قال تعالى: “إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ”، وأنزل الله تبارك وتعالى سورة خاصة بهن وهي سورة النساء، وضح فيها الكثير من الأحكام التي تتعلق بالمرأة من واجبات وحقوق، بل إنه حتى في حال نشوز المرأة أمر الإسلام بموعظتها أولًا ثم بهجرها في المضاجع، ثم في حالة النشوز القصوى يضربها ضربًا غير مبرحًا حتى تبتعد عن هذا النشوز فقط.
ومن أبرز القضايا التي تثار حول شئون المرأة في الإسلام قضية عملها، ما بين التحريم والتحليل، وما بين ما يناسب المرأة وفطرتها من مهام وما لا يليق بها، وبين كل تلك الآراء نناقش معكم تلك القضية في هذا المقال:

لا شك في أن خروج المرأة إلي ميادين العمل ومجالاته دون قيود أو ضوابط او مراعاةٍ لفطرتها ودورها الأساسيّ في الحياة لا يحل لها أبدًا، والأدلة في ذلك كثيرة، قال الله تعالى: ” وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى” وقال: ” الْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” فالآيات تدل على أن مكوث المرأة في بيتها هو الأصل، وإن كان خروجها لحاجة لا يمنع ما دامت تلتزم بالشروط التي تجعل من خروجها جائزًا وصحيحًا.

وأما الدعوات المتكررة إلى تحرر المرأة ونزولها بشكلٍ كامل إلى العمل مثلها مثل الرجال تمامًا تساهم في هدم للمجتمع ولو بشكلٍ غير مباشر، فتبادل الأدوار أو حتى تخلي كل جنسٍ عن دوره الرئيسي يخل بالمجتمعات على المدى البعيد، فترك المرأة مسئولية الأمومة والبيت ورعاية نشئها الصغير الذي سيكون بذرة المجتمع الصالح حتى تمارس العمل في دوامٍ كاملٍ مثلها مثل الرجال دون حدودٍ أو التزامٍ بأوامر الشريعة وضوابطها وفي اختلاطٍ بالرجال لا يراعي حدود الشريعة هو مفسدةً كبيرة للمرأة ذاتها أولًا ثم للأمة بعد ذلك، وذلك ينافي طبيعى المرأة ذاتها وإن زرعت فيها أفكار المساواة الباطلة غير ذلك، فهي أفكار لا يأتي من ورائها سوا المفسدة من تفكك الأسر وضياع الأطفال وغير ذلك.

ورغم ما يشاع أن خروج المرأة للعمل فيه تحقيق لكيانها وذاتها فهو في الحقيقة ليس إلا عكس كل ما ذكر، ففي ذلك إخراجٌ لها عن فطرتها وطبيعتها وتجاهلٌ لملاح شخصيتها التي جبلت على الاستقرار والطمأنينة وأداء أدوارها العظيمة في بعدٍ عن مشقة وحرب الشارع، غير أن دورها الأساسي الذي يقلل منه أصحاب الدعوات الهادمة ويصرون على جعل المرأة لا تراه في موضعه الصحيح، لا يستطيع أحد أن يؤديَه كما ستفعل المرأة لما وضع فيها من رفق وحنان وقدرةٍ على العطاء تفوق الرجال بكثير وهو ما يجعلها أكثر كُفئًا لرعاية أطفالها وتربيتهم وإخراجهم للمجتمع بصورةٍ سوية وجميلة.

ومن العجيب أيضًا أن عمل المرأة يضيف لها أعباءً فوق الأعباء، فبدل أن كانت مسئولةً في بيتها عن شئونه وشئون الأولاد، تصبح المرأة في الصباح مسئولةٍ عن شئون شركة –مثلُا– في الخارج بأعباء العمل ومشاقه وخلافاته، ومن ثم تعود للبيت لتكمل نفس المهام التي اعتادت عليها، هذا بالطبع إذا تبقى وقتٌ لبيتها من الأساس، أو تبقى لها من الطاقة والقوة ما تستطيع به أن تكمل يومها كما يجب عليها.

وربما يتوهم القارئ من هذا الحديث أننا نقوم بإلغاء شخصية المرأة أو حصرها في مهام المنزل والأطفال فقط دون النظر لها ولاحتياجتها، وذلك التوهم غير صحيح تمامًا، فمجال حديثنا السابق هو عن المهام والأعمال التي لا تليق بطبيعة المرأة، والتي تفرض عليها الالتزام بما يخالف قواعد الشريعة الإسلامية من تبرج واختلاطٍ ومعاملة لها حدود مع الرجال، وأما ما يتعلق بحاجة المجتمع في كثيرٍ من الميادين للمرأة، أو حاجتها هي للعمل لقضاء حاجاتها فقد أجيز لها ذلك ولكن مع الالتزام بالضوابط، فهناك الكثير من الميادين النسائية التي يحتاج المجتمع للمرأة فيها، كالتدريس والتمريض والتطبيب، وخير مثالٍ لذلك أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، كانت منهم الطبيبة والمعلمة وغير ذلم مع كامل التزامهم بالضوابط الشرعية والحجاب والبعد عن مخالطة ميادين الرجال الخاصة بهم، بل كانوا خير موجهين ومرشدين للأمة الإسلامية، وقد بلغن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث، فلهم من الأدوار العظيمة في أمتهم ومجتمعهم ما لا يعد ولا يحصى.

لذلك، القاعدة هي فيما يلائم فطرة المرأة، وفيما يثري حاجتها وحاجة مجتمعها بحق، فالتفرقة بين مجرد العمل للاستجابة إلى دعواتٍ فارغة لا طائل من ورائها لوهم تحقيق الذات والكيان شيء، والعمل لخدمة المجتمع والدين وقضاء حاجات النفس شيء آخر.

ضوابط خروج المرأة للعمل:

وبما أننا ذكرنا أنه يجوز للمرأة أن تخرج في قضاء حاجاتها أو حاجة مجتمعها بضوابط، نذكر لكم تلك الضوابط بشكلٍ إجماليّ

1- أن يكون العمل التي ستخرج إليه مباحًا
2- أن يكون لقضاء حاجتها الشخصية، أو حاجة المجتمع لها، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “قد أذن لكن أن تخرجن في حاجتكن”
3- أن يكون خروجها بإذن زوجها أو وليها، ومع ذلك فعلى الولي ألا يمنعها إذا كانت ستخرج لحاجتها مع المحافظة على الضوابط والحجاب الشرعي، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا استأذنت امرأة أحدكم فلا يمنعها”
4- ألا تفرط بهذا العمل في دورها الأساسي من واجباتها نحو أطفالها وزوجها.
5- أن يكون هذا العمل مناسبًا لفطرة المرأة وطبيعتها.
6- أن تلتزم المرأة بحجابها الشرعي الكامل خلال خروجها.
7- ألا تتطيب عند خروجها “تضع العطر”، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أيما امرأة أصابت بخورًا، فلا تشهد معنا العِشاء الآخرة”
8- أن تأمن المرأة على نفسها من الفتنة سواءً في الطريق أو في مكان عملها.
9- ألا يكون هناك خلوةٌ مع الرجال، أو اختلاط بهم لغير حاجة.

نهايةً..

جميعنا نتفق على أن الأصل للمرأة مراعاة بيتها، وأن دورها به ليس هينًا، كما أنه دورٌ عظيم يليق بمكانتها العالية التي وضعها فيه الإسلام، ومع ذلك فالمرأة يمكنها أن تكون طبيبة نافعة تخدم النساء، ومعلمة ماهرة، وعالمة، وغير ذلك من الأدوار التي تليق بها، ما دامت تستطيع المحافظة على كامل الضوابط التي ذكرناها، والمحافظة على دورها الأساسي التي خلقت من أجله أولًا.

Exit mobile version