مهارات معلم القرآن

المقدمة:-

قد من الله علينا إذ بعث فينا رسوله ونبيه سيدنا محمد بالنور والهداية والبشرى القرآن، وهو الكتاب السماوي الذي خصنا الله به، وقد قال الله سبحانه ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين” فالقرآن نور نهتدي به في الطرقات وينير لنا الظلمات، وقد كان الصحابة في عهد رسول الله يحفظون القرآن عن ظهر قلب، فلم يكن هناك حاجة لكتابته كاملًا في صحف أو غير ذلك من وسائل الكتابة، إلا أنه لما كثرت الفتوحات ومرت السنوات ومات الحفاظ من الصحابة بدت الحاجة للقرآن مجموعًا في مكان واحد، وقد كان فجمع القرآن كاملًا في مصحف واحد في عهد سيدنا عثمان بن عفان.
وقد علم جبريل عليه السلام القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم قد قال الله سبحانه “علمه شديد القوى” فقد آخذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن عن سيدنا جبريل كما أنزله الله سبحانه، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول للأمة عامة وللصحابة خاصة، فقد أخذ الصحابة القرآن عن الرسول كما علمه سيدنا جبريل، ونقل إلينا القرآن بأحكامه هكذا بالتواتر مما يوضح لنا أهمية وجود معلم حافظًا لكتاب الله متقنًا لتلاوته يقوم بتعليم القرآن للأجيال القادمة.
وهذه المهمة الجليلة والعظيمة تحتاج إلى معلم مؤهل للقيام بيها ومدركًا للمسؤولية الواقعة على أكتافه، وفي هذا المقال سنعرض لكم بعضَا من أهم المهارات والصفات التي يجب أن يتحلى بها معلم القرآن

يحتاج معلم القرآن إلى عدة مهارات مهمة منها ما يتعلق بالشخصية والمظهر وأسلوب التعامل ومنها ما يتعلق بنهجية التعليم وكفاءته.

1- يجب على معلم القرآن أن يحدد هدفه من امتهان تعليم القرآن وأن يخلص النية لله تعالى خالصة لوجهه الكريم وينزع من قلبه حب الدنيا والشهرة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خيركم من تعلم القرآن وعلمه” إذا فمن الواجب على المعلم أن يدرك عظمة كتاب الله وشرف مهمته ويراجع هدفه ونيته باستمرار حتى يذكر نفسه ويهذبها، كما أن الهدف هو الدافع الذي ينتشل الإنسان من اليأس في اللحظات الصعبة ويدفعه بعيدًا عن الاستسلام أمام العقبات والصعوبات التي تواجهه

2- يجب على معلم القرآن وحامل كتاب الله أن يهتم بهيئته العامة وشكله، فلا يفترض أبدًا بحامل القرآن أن يكون رث الثياب مبعثر الهيئة دلالة على الزهد مثلًا والتقرب لله بترك المتاع، فهذا خطأ كبير وربما صد الناس عن التعلم منه، بل إن الله جميل يحب الجمال ومن يحفظ كتاب الله بالتأكيد يحفظ الآية ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) لذلك يجب على معلم القرآن أن يهتم بهيئته دون إسراف أو تبذير، فيهتم بنظافة ثيابه وترتيبها ويهتم بوضع الطيب وتمشيط شعره ونظافة وجهه وغيره من مكملات حسن الهيئة

3- يجب على معلم القرآن أن يكون حسن الخُلق والأخلاق، فحامل كتاب الله يجب أن يتحلى بمكارم الأخلاق، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء” فلا يكون معلم القرآن كثير السباب واللعن ولا كثير قول الفُحش من الكلام وهو ليس بالسب واللعن ولا بالطعن ولكنه ما يستحي الناس قوله ويكرهون سماعه، كما أنه لا يؤذي مشاعر طلابه خاصة إن كانوا من الأطفال فلا يخبرهم بضعف مستواهم وقلة تحصيلهم وغباءهم وما إلى ذلك مما ينفر الأطفال من حفظ كتاب الله

4- كما يجب عليه أن يكون حسن الأسلوب سمح الخُلق والخِلقة، طيب المبسم لا يدخل المجلس مكفهرًا عاقدًا حاجبيه، كما أنه لا يكون كثير المزاح بحيث يذهب بوقار المجلس.

5- يجب على معلم القرآن أن يتحلى بالصبر، والصبر هو مفتاح إتمام كل المهام الصعبة، فالقرآن يحتاج صبرًا في تعليمه وفي تعلمه ولا يجب أبدًا أن يضيق صدر المعلم إذا عجز الطالب عن التلاوة الصحيحة لصغر سنه أو لعدم ضبط الحروف ومخارجها، ولا يغضب لكثر نسيان الطالب أو عجزه عن حفظ بعض الآيات، بل يجب أن يصبر على الطالب ويهب الطالب الصبر على الحفظ حتى لا يجزع ويمل من صعوبة الحفظ أو طول المدة المستغرقة.

6- يجب على المعلم أن يلم بكافة العلوم الشرعية المتعلقة بكتاب الله من التجويد والتفسير وعلوم القرآن والنحو والبلاغة والعقيدة وغير ذلك، فتعليم كتاب الله لا يقتصر على حفظه لفظًا فقط وإن كان مهمًا ولكن يجب عليه أن يوضح للطالب المعاني والحِكم في الآيات التي سيحفظها ويبين له ما فيها من البلاغة وعظم البيان وجزالة الألفاظ، كما يوضح له الأحكام الفقهية في الآيات إن وجدت.

7- ينبغي على معلم القرآن أن يجيد التقدير والتخطيط، فيقدر قدرة كل طالب على الحفظ والاستيعاب وما عدد الآيات أو الأوجه المناسبة له حتى يتمكن من الحفظ المتقن فلا يضغط على الطالب ويحمله أكثر من طاقته فيُشعره بالعجز والتقصير، والتخطيط بأن يضع الخطط الشهرية والسنوية لمنهج الحفظ تبعًا لسن ومقدرة كل طالب، فيحدد الوجه والمدة اللازمة ليتم الطالب حفظ كتاب الله كاملًا مقسمة إلى المدة اللازمة ليتم حفظ كل سورة على حدة
– السير على منهجية منظمة في التعليم، وهذه المنهجية يجب أن تتسم بالتدريج لتناسب مستوى الطالب المبتدئ والمرونة بحيث أنها لا تتوقف بالانقطاع والغياب وغير ذلك، والشمولية بحيث أنها في نهايتها يكون الطالب ملمًا بكل جوانب العلم وحافظًأ لكتاب الله أو للسورة المحددة في الخطة الشهرية مثلًا، كما يجب أن تتسم بالواقعية ليتمكن من تطبيقها

8- ينبغي أن يتحلى المعلم بالمرونة والرغبة الدائمة في التجديد في طرق التحفيظ والأساليب المتبعة، فالمعلم الذي يتسم بالجمود والإصرار على طريقة واحدة قد ينجح في تحقيق هدفه لمدة محددة فقط أو يقتصر على تعليم فئة معينة لا يخرج عنها مما يجعله مقيدًا محددًا خاصة وأن طبيعة الطلاب ونسبة استجابتهم ونوعية الأساليب المؤثرة فيهم تعتمد بشكل كبير على البيئة المحيطة بهم والوسائل المتاحة لديهم، فمثلًا الأساليب المتبعة في تحفيظ القرآن في الثمانينيات تختلف جذريًا عن المؤثرة في طلاب اليوم. وإذا كان هدف المعلم التأثير بالقرآن في أكبر عدد من فئة شباب اليوم فعليه أن يبحث عن الأساليب المؤثرة فيهم لا أن يتبع معهم استراتيجية تعليم تناسب القرن الثامن عشر مثلا

9- من المهارات التي يغفل عنها العديد من المعلمين “مهارة صناعة الطالب” وتعني التعامل مع الطالب بطريقة تجعله يستجيب بصورة أكبر للحفظ، وتعتمد هذه المهارة على إمكانية المعلم من فَهم طبيعة وشخصية الطالب، فالمعلم يتعرض لكافة شخصيات الطلاب السلبية والإيجابية والعنيدة وغيرهم، وعليه أن يتعلم كيفية فهم شخصية الطالب ودوافع تصرفه ويبدأ بإتباع الأسلوب المناسب له، فمثلًا يدرك المعلم طبيعة الطالب محدود القدرات فيبدأ بالتركيز على إيجابياته وتحفيزه وتشجيعه، ويدرك طبيعة الطالب المشاكس فيتعامل معة بالصبر واللين.

الخاتمة:-

وأخيرًا يجب على كل معلم لكتاب الله أن يدرك أن كل طالب هو بذرة خير وذخر للإسلام فلا يحقر من طالب لضعف مستوى الحفظ عنده ولا يبخس طالب حقه على حساب طالب آخر، وليعلم أن كتاب الله أمانة عظيمة فإما طريق للجنة وإما خزي وندامة يوم القيامة فعليه أن يحسن حملها وتأديتها.

Exit mobile version