كيف يتم وضع الدستور؟
المُقدمة
أيها الرفاق، قبل كل شيء، لا توجد طريقة موحدة لصياغة دستور دولة ما، لكن وضع كل بلد مختلف، والمبادئ السياسية والاقتصادية مختلفة، والأهم من ذلك، أن مستوى وعي الناس مختلف ومطالبتهم بالحقوق الدستورية كذلك.
ومن البديهي أن فكرة صياغة الدستور لم تذكر إلا في الدستور المكتوب، أما الدستور العرفي لم يرد فيه ذلك. لأنه غير مقنن، ويتغير من حين لآخر حسب تغير العادات، دون اتباع الإجراءات الخاصة لإجراء التغييرات.
(نرشح لك: ونحط لينك مقال ما هو الدستور)
طرق وضع الدستور
تنقسم هذه الأساليب عمومًا إلى فئتين: ديمقراطية وغير ديمقراطية.
أولاً: الطرق الديمقراطية
وهي أساليب تسمح للناس بالتدخل في صياغة الدستور في المرحلتين (الإعداد و التصديق والموافقة) أو في واحدة منهما على الأقل.
وهناك طريقتان رئيسيتان لهذا المسار: نهج الاستفتاء الدستوري ونهج الجمعية التأسيسية.
1- أُسلوب الاستفتاء الدستوري
يشير إلى الاستفتاء على نص الدستور الذي سيتم سنه، فيتم اختيار هيئة منتخبة أو معينة لصياغة الدستور، ويمكن أن يتم هذا الاختيار من قبل الشعب أو الحكومة أو البرلمان، ثم يعرض في استفتاء عام، والدستور لا يحصل على قوته إلا بعد الموافقة عليه من قبل الشعب.
ويعبر هذا النهج عن التطبيق العملي للديمقراطية من خلال الاعتراف بأن الشعب هو صاحب السيادة، وأنه من أجل تحقيق أهداف هذا النهج، يجب على الجمهور أن يعرف ما هو مطلوب وأن يمتلك بعض الذكاء والثقافة. فما فائدة الاستفتاء إن كان المستفتي يجهل أبعاده؟
وقد تم اتباع هذا النهج في صياغة العديد من الدساتير، بما في ذلك الدستور المصري لعام 1956 والدستور اليمني لعام 1991.
2- أسلوب الجمعية التأسيسية
الجمعية التأسيسية هي الهيئة المسؤولة عن صياغة الدستور ومراجعته، وهي تتكون من نوعين: الهيئة الأصلية لوضع الدستور والمسؤولة عن صياغة الدستور والهيئة الفرعية لوضع الدستور والمسؤولة عن مراجعة الدستور.
طريقة الجمعية التأسيسية هي طريقة ينتخب فيها الشعب ممثليه لتشكيل برلمان أو جمعية دستورية، وتكليفهم بصياغة الدستور باسم الشعب ونيابة عنه، ويعتبر الدستور نافذاً بمجرد موافقة الجمعية العمومية عليه.
وقد بدأ ظهور هذه الطريقة بعد أن نالت الولايات المتحدة استقلالها عن بريطانيا العظمى عام 1776، بإصدار دستور عام 1787 (أقدم دستور مكتوب)، ثم انتشر بعد ذلك إلى بلدان أخرى.
وقد نعتقد أنه لا يوجد فرق بين طريقة الاستفتاء وطريقة الجمعية، ولكن الحقيقة يا أصدقائي أن هناك فرق بينهما في الطريقة الأولى(طريقة الاستفتاء)لا تكتسب قوتها الإلزامية الابعد ان يتم عرضها على الشعب أما الطريقة الثانية(أسلوب الجمعية)تكسب قوتها بمجرد موافقة الجمعية عليها.
ثانياً: الطرق غير الديمقراطية
وهي أساليب لا تسمح للناس بالتدخل في صياغة الدستور، سواء كانت في مرحلة الإعداد أو في مرحلة التصديق أو في مرحلة الموافقة.
وله نمطين رئيسيين: أسلوب المنح وأسلوب العقد.
أولاً: أسلوب المنحة
إنها طريقة قديمة لصياغة الدساتير، منتشرة بشكل رئيسي في الملكيات المطلقة، حيث يصدر الدستور من قبل الحاكم وحده، دون مشاركة الشعب، وكأنه منحة من الحاكم إلى الشعب.
ومن الأمثلة على الدساتير التي صدرت بهذه الطريقة الدستور المصري لعام 1923 والدستور الفرنسي الذي منحه لشعبه لويس الثامن عشر في عام 1814.
وهذا النهج غير ديمقراطي من كل الوجوه، ولا يعترف بسلطة الشعب ولا بحقه في السيادة على شؤونه ويفعل الشعب ما يراه الرئيس وليس له حق الاعتراض فالشعب بالنسبة له مجرد رعايا بلا حقوق ليس لهم الحق في التدخل في شؤون الدولة حتى في تلك الأمور التي تهمنا.
والآن بالطبع يطرح سؤال مهم في أذهاننا ما إذا كان الحاكم أو رئيس الدولة لديه القدرة على إلغاء هذا الدستور فالبعض يرى أن من منح له حق التراجع، والبعض الآخر يقول أنه لا يستطيع الحاكم أن يسحبها لأنه يتعلق بحقوق الأفراد وليس له الحق في الإضرار بها.
ثانياً: أسلوب التعاقد
وبهذه الطريقة يتم وضع الدستور بالاتفاق بين الحاكم والشعب، ومن ثم لا يجوز تعديل الدستور إلا باتفاق جميع الأطراف.
من أمثلة هذه الدساتير دستور البحرين لعام 1973، الذي سُن بعد استقلالها عن بريطانيا العظمى (1971)، والدستور الفرنسي لعام 1830، الذي سُن نتيجة لثورة شعبية ضد الملك تشارلز العاشر، الذي تنازل عن العرش للملك لويس فيليب الأول بعد المصادقة على الدستور.
وكما نعلم جميعًا، فإن صياغة الدستور ليست مهمة سهلة وتقتصر على إرساء قواعد ومبادئ راسخة فهى مسئولية كبيرة تقع على أكتاف المكلفين بوضع الدستور فمبادئ الدستور ليست مجرد وضع خطة لرسم مستقبل شعب يعيش حاليًا ولكن من اجل اجيال قادمة..فهل يستطيع واضع الدستور أن يتجاوز حدود الزمان والمكان، وأن ينوب عن جميع الشعب بكل طوائفها وفصائلها بعيداً عن بحر التعصب وضيق الأفق حتى يكون لنا دستور شامل وسليم لنا ويليق بنا نحن المصريين؟ ! وبعد كل شيء، الدستور هو أنت وأنا وكل من يريد أن يقول للعالم: يكفي عبث وتعيش الحرية.