هكذا يحكمنا القانون..النطاق المكاني لتطبيق القانون
هكذا يحكمنا القانون.. النطاق المكاني لتطبيق القانون
هل يطبق قانون كل دولة على إقليمها فقط بما فيه من مواطنين وأجانب أم يشمل مواطنيها فقط وهل يطبق عليهم حال تواجدهم خارج إقليم هذه الدولة أم يطبق عليهم قانون الدول المقيمين فيها؟!
فمثلاً هل يطبق القانون المصري على المصريين والأجانب الموجودين في مصر أم على المصريين فقط وهل يطبق علي المصريين المقيمين في إنجلترا مثلاً أم يطبق عليهم القانون البريطاني؟
بمجرد الإجابة علي ما سبق طرحه من أسئلة يتضح لنا المقصود بالنطاق المكاني للقاعدة القانونية.
وينظم تطبيق القانون من حيث المكان بناءً علي مبدأين هما مبدأ الإقليمية و مبدأ الشخصية.
أولاً مبدأ إقليمية القانون:
يعني هذا المبدأ أن قانون كل دولة يطبق داخل إقليمها فقط ولا يتعدى حدود هذا الإقليم، فيطبق على كل ما يقع داخل الإقليم وعلى جميع الموجودين فيه مواطنين كانوا أم أجانب مقيمين إقامة مؤقتة أم دائمة، فوفقاً لهذا المبدأ لا سلطان لقانون دولة ما خارج حدودها.
أساس هذا المبدأ:
يجد هذا المبدأ أساسه في سيادة كل دولة على إقليمها بكل الوقائع الحادثة فيه، مما يعد معه تطبيق قانون دولة على أخرى فيه اعتداء علي سيادة هذه الدولة، فاستقلال الدولة بتطبيق قانونها على إقليمها من أهم مظاهر السيادة.
وفي ظل تطور العلاقات الدولية وصعوبة إبقاء المجتمعات في معزل عن غيرها، اتضح عدم عملية هذا المبدأ في بعض الأحيان وذلك بالنسبة إلى الأجانب المقيمين في الدولة خاصة في مسائل الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وميراث وغيرها، لذا ظهرت الحاجة إلى مبدأ آخر للتخفيف من حدة مبدأ الإقليمية، من هنا ظهر مبدأ شخصية القوانين.
الاستثناءات الواردة على مبدأ الإقليمية
1- خضوع روؤساء الدول الأجنبية و الدبلوماسيين وزوجاتهم لقانون دولتهم لا لقانون الدولة المضيفة لهم.
2- يطبق قانون العقوبات الجنائي على الوقائع التي تحدث خارج الإقليم متى كانت من اختصاص المحاكم الجنائية في الدولة.
3- يتولى مواطنين الدولة دون الأجانب المقيمين فيها الوظائف العامة ولكن قد يشغلوها في حالة وجود اتفاقيات خاصة بذلك.
ثانياً مبدأ شخصية القوانين:
أي أن قانون الدولة يطبق على مواطني هذه الدولة سواء كانوا مقيمين فيها أم في دولة أخرى طالما يحملون جنسيتها، ومن ثم لا يطبق قانونها على الأجانب المقيمين فيها لأنهم يطبق عليهم قانون دولتهم الحاملين لجنسيتها.
فمثلاً لو توفي سعودي متوطن في ألمانيا فإن توزيع تركته تخضع للقانون السعودي وليس الألماني وفقاً لمبدأ شخصية القوانين.
أساس هذا المبدأ
في بادئ الأمر قام علي أساس المجاملة الدولية والمعاملة بالمثل فتسمح الدولة بتطبيق قانون الأجانب المقيمين علي أرضها وسيعامل مواطنيها المقيمين في هذه الدولة الأجنبية بالمثل أي سيطبق عليهم قانون دولتهم، وسيادة الدولة على مواطنيها أينما وجدوا تقتضي تطبيق قانونها عليهم في أي مكانٍ كانوا؛ ذلك أن القوانين الخاصة بكل دولة وضعت لرعاياها وتناسب ثقافتهم وطباعهم أكثر من غيرها،وأصبح هذا المبدأ حالياً أساس استقرار المعاملات الدولية.
الاستثناءات الواردة على مبدأ الشخصية
يخضع هذا المبدأ لعدد من الإستثناءات أهمها :
– في مجال العقود يطبق القانون الذي يتفق عليه الأطراف إذا كان النزاع يتعلق بالموضوع، أما أو تعلق بالشكل يخضع لقانون بلد الإبرام.
– النزاع المتعلق بالعقارات يخضع النزاع لقانون بلد العقار، وفي المقولات تخضع لقانون البلد الموجودة بها وقت نشأة العقد.
– أما النزاع المتعلق بالأحوال الشخصية يطبق فيه قانون الشخص.
مما سبق يستنتج أنه وفقاً لمبدأ الإقليمية يطبق القانون علي المقيمين في إقليم الدولة جميعاً رعايا وأجانب، وفقاً لمبدأ الشخصية يطبق القانون علي مواطنين الدولة فقط أياً كان مكان وجودهم داخل أو خارج الدولة.
استناداً إلى ما سبق فقد تم إعمال كِلا المبدأين كُلٍ منهما في نطاق معين، إذ لو أخدنا بالإقليمية على إطلاقه لما ظهر تنازع بين القوانين في العلاقات المنطوية على عنصر أجنبي فكل دولة تطبق قانونها على إقليمها فقط بكل ما فيه وهذا ممكن لو أن الدول تعيش في معزل عن بعضها، ولكن هذا غير متحقق الآن فلا يوجد دولة تخلو من أجانب على أرضها، ولو اخذنا بمبدأ الشخصية لتعارض هذا مع ما للدولة من سيادة على أرضها بتطبيق قانون آخر غير قانونها خاصةً أن القانون يختلف من دولة إلى أخري باختلاف ثقافة كلٍ منهم، وهذا بدوره أدى إلى تفاقم التعارض وتنازع القوانين، فكان لأحدهما أن ينتصر، ولأن سيادة الدولة على إقليمها فقط انتصر مبدأ الإقليمية إلا إن هذا الانتصار لم يكن على إطلاقه خاصةً مع الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي الذي يشاهده العالم اليوم، مما يستدعي بقاء مبدأ الشخصية، لذا أخذت الدول الحديثة بمبدأ الإقليمية كأصل عام، و بمبدأ الشخصية كاستثناء على هذا الأصل.
أميرة أحمد سلامة
هذا ما توصل إليه فريق بحث Dal4you