فضل يوم عرفة
هناك مواسم الطاعات من الأيام واللتي اختصها الله بفضل عظيم، فهذه المواسم لها مكانة كبيرة عند الله عز وجل، وقد ميزها الله على غيرها من الأيام، لما لها من مكانة رفيعة، وفضل وخير وثواب عند الله عز وجل، فالأحرى بنا نحن المسلمون أن نستغل هذه الأيام، حتى نغتنم فضلها وثوابها.
ومن هذه الأيام يوم عرفة والعشر من ذي الحجة، فقد اختصه الله دونًا عن بقية الأيام بفضل عظيم، فيوم عرفة هو يوم المناجاة والتضرع واللجوء لله عز وجل، يوم تتساوى فيه الرؤوس، فالكل سواسية وقد جاءوا يلبون النداء، ويقفون بين يدي خالقهم متضرعين وطالبين المغفرة والعفو، فهذا اليوم هو يوم مُصغر من يوم القيامة، يوم الحشر، وقد فضله الله بفضائل عديدة، وسوف نستعرض أهم تلك الفضائل في مقالنا.
ما هو يوم عرفة؟
1- أحد أيام الأشهر الحُرم:
فالأشهر الحُرم لها فضل كبير عند الله عز وجل، وقد اختصها الله بمكانة عظيمة، دونًأ عن باقي الأشهر، فقد قال تعالى
“إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ”، وقد اختص شهر ذي الحجة منها، ففيه تُقام فريضة الحج، وقد اختص الله تعالى من شهر ذي الحجة يوم عرفة”.
2- الوقوف بعرفة أهم أركان فريضة الحج:
من أهم ما يميز هذا اليوم أن الوقوف بجبل عرفة هو أهم أركان الحج، فلا حج لمن لا يقف بعرفة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحج عرفة”، فهو الركز الأعظم من الحج، ويبرز لنا هذا الحديث القيمة العظيمة ليوم عرفة، والوقوف بها ابتهالًا وتضرعًا لله عز وجل.
3- يوم أقسم به الله عز وجل في كتابه:
لا يقسم الله عز وجل إلا بشيء عظيم، فقال عز وجل “وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ”، وقال ابن عباس إنها العشر من ذي الحجة، وقد قال ابن كثير أنه الصحيح، وقسم الله بها يدل على أنها أيام عِظام فيها من الخير الكثير، ومن النفحات الإيمانية فيجب علينا أن نبذل الجهد الجهيد ونستغلها، عسى أن يصيبنا بركتها وأثرها.
4- أكمل الله فيه الملة:
في هذا اليوم أنزلت على نبينا الكريم آية من أعظم وأبلغ الآيات القرآنية فقد قال تعالى “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا”، فأتم الله دينه لعباده، وتم الله عليهم نعمته، فكان ذلك اليوم يوم عيد على المؤمنين، فقد ذُكر عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أن أحد اليهود قابله وقال له: يا أمير المؤمنين آية أنزلت عليكم لو أنزلت علينا نحن اليهود لجعلنا هذا اليوم عيدًا لنا، قال ما هي، فذكر له الآية.
فضل صيام يوم عرفة
5- صيامه له أجر عظيم:
يستحب الصيام لغير الحاج، أما الحاج فلا يصومه، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضله وعظم أجر صومه، أن صيام يوم عرفة يكفر ذنوب سنتين، فقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ”، فالواجب علينا الحرص على صيام هذا اليوم وكأنه أحد أيام شهر رمضان المُبارك، وأيضًا يمكنك التعرف على أفضل الأعمال يوم عرفة.
6- يوم عتق من النار:
يعتق الله فيه كثير من عباده من النار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟”. فالله عز وجل عندما يرى عباده أتوه وجلين داعين متضرعين، وقد أتوه طالبين رحمته وجمال عفوه، يعطيهم ما قد أتوا من أجله، فيعتق رقاب الكثير منهم من النار، ويحرم على النار أجسادهم، جزاء إنابتهم له وتلبيتهم لنداءه.
7- يوم مباهاة:
يباهي الله ملائكته بعباده الذين أتوه يطلبون منه العفو والغفران، خاشعين له، متضرعين بين يديه، فيباهي الله بهم الملائكة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا”، فالله عز وجل يباهي بأهل عرفات الملائكة، ثم يشهدهم أنه قد غفر لهم.
8- يوم عيد لأهل الموقف:
فهو يوم عيد لنا كما أخبرنا بذلك نبينا الكريم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام”، فهو يوم أكرمنا الله به بالفرحة والسعادة، وجعله يومًا مميزًا لما فيه من الخير الكثير.
9- اليوم الذي أخذ الله الميثاق فيه على ذرية آدم:
فقد أخبرنا ابن عباس عن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قد أخذ الميثاق على ذرية آدم في يوم عرفة، وأخرج من ظهر آدم عليه السلام كل ذرية فنثرها وكلمها قال تعالى “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ”
فقد أخذ الله عليهم العهد ألا يشركوا به، وأن يكونوا موحدين به جلَّ علاه، فهذا اليوم هو يوم الفضل، وما أعظمه.
10- إجابة الدعاء:
من الأيام التي يُرجى فيه قبول الدعاء، فهو يوم فضله الله على غيره من الأيام، واختصه بفضل كثير ومكانة عظيمة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
فيجب علينا أن نتعرض لنفحات الله عز وجل، ونخص يوم عرفة بالدعاء والتقرب لله عز وجل، ونكثر من المناجاة له سبحانه، لما ذُكر من فضل الدعاء في هذا اليوم المُبارك.
أما وقد تعرفنا على فضل هذا اليوم المُبارك، فواجب علينا نحن المسلمون أن نستغله أفضل استغلال، وأن نخصه بالصوم والدعاء، والابتهال والمناجاة لله عز وجل، عسى أن ننال رضا الله ومغفرته، ونكون من العتقاء من النار، وننال الفلاح في الدنيا والآخرة.
ومن هنا نعلم أن هناك أيام اختصها الله بفضل كبير، وينزل الله فيها من نفحاته الكثير، ولذلك لا بد أن نتعرض لها، ونعد العدة لها، ونتجهز ونتزود من الطاعات التي يحبها الله، والتي وصانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بها، لكي ننال رضا الله.
فهذه الأيام المميزة قد أهداها الله لنا حتى يعلم ماذا سنفعل بها، فيجب أن نُرِيَ الله من أنفسنا خيرًا، ونجتهد فيها كما لا نجتهد في غيرها.