تعرف على القانون

للقانون وجوه أخرى: المدخل إلى العلوم القانونية

هل القانون أمرٌ ضروريٌّ؟

من الغريب طرح هذا السؤال ونحن في صدد حديثنا عن ماهيته، ولكن إجابة هذا السؤال تلعب دوراً هاماً في إيماننا بدوره في المجتمع، خاصةً أن هناك من يشكك في اهميته، من باب أنه قد يطبق علي البعض دون البعض الآخر، وهذا يتناقض مع طبيعته ويعيقه عن أداء دوره كاملاً، ومن ثم لا يحقق الهدف المرجو منه، وهناك من رفض وجوده، وهذا ليس بجديد، فمن الفلاسفة من دعوا بشكل أو بآخر إلى رفضه. من هذا المنطلق رغبت في طرح السؤال السابق.

ويمكن الإجابة علي هذا السؤال من خلال إلقاء نظرة على دوره كما يجب أن يكون، فمعروف أن الإنسان كائن مدني بطبعه، لا يستطيع العيش بمعزل عن بني جنسه، ومتي انخرط الفرد بالجماعة ظهرت الحاجة لوجود تنظيم ما، فالإنسان بطبعه يحب تقديم مصالحه علي مصالح غيره، ومن هنا تنشأ النزاعات، فكان الهدف من هذا التنظيم خلق التوازن بين حقوق كل فرد وواجباته، والحد من حرية الشخص التي قد تؤذي غيره، فبديهى أن حرية الشخص تنتهي عندما تبدأ حرية غيره، وإلا تحققت مقولة الفيلسوف بسوت” حيث يملك الكل فعل ما يشاءون لا يملك أحد فعل ما يشاء، وحيث لا سيد فالكل سيد، وحيث الكل سيد فالكل عبيد”. وتتفاقم أهمية هذا التنظيم عند الفوضي والأزمات، كما يحدث الآن في العالم من فرض حظر التجوال وغيره من الإجراءات المتخذة لمنع انتشار ڤيروس كوڤيد 19.

“لا تدب الحياة في القانون إلا عندما تختل الأمور”

لا أتذكر بالتحديد أين قرأت هذه العبارة ولكنها تكشف جلياً عن دوره في إعادة التوازن للأمور عند اضطرابها.

إذاً فالقانون أمر لا بد منه، ولا يمكن لمجتمع من المجتمعات تجنب تطبيقه مهما كانت درجة ثقافته، بدائياً كان أو حضارياً، وإلا تحول إلى غابة ينتصر فيها الأقوى، فهو أمن و استقرار للمجتمع، دلالة علي مدى رقي فكر أبنائه فاحترامه وتنفيذه يحتاجان إلى ثقافة الوعي بأهميته.

وبعد أن عرفنا ضرورة وجوده يُجدر بنا معرفة ماهيته.

فما هو القانون؟

يعرف في معجم المعاني على أنه: مقياس كل شيء وطريقه، وأصلها يونانية وقيل فارسية.[1]

ومعناه العام هو: مجموعة قواعد تنظم سلوكيات الأفراد في مجتمع معين، وتقترن بجزاء يقع على من يخالفه.

ويمكنك الاطلاع على هاتين المقالتين لما فيهما من إيضاح كبير لمعنى القانون وأنواعه:
1- القانون الدستوري : أشكال الدولة
2- القانون الدستوري : مفهوم الدولة

خصائص القاعدة القانونية:

العمومية والتجريد

 أي أنها موجهة للكافة ولا تختص بشخص بذاته أو واقعة بعينها، فهي قاعدة عمومية بحكم طبيعتها أي لا تقصد شخص بعينه، ومجردة أي لا تختص بواقعة بذاتها، وإنما تنطبق على كافة الوقائع المماثلة، ولا يقتضي التجريد ضرورة أن يوجه إلى جميع فئات المجتمع بل يجوز أن تختص بفئة معينة تحدد أوصافها كفئة المحامين مثلاً. والعمومية و التجريد فكرتان متلازمان  للقاعدة القانونية، فهما وجهان لعملة واحدة.

الإلزام

أي أنها تقترن بجزاء يقع علي من يخالفها، وهذا ما يميزها عن غيرها من القواعد الاجتماعية الأخرى كالأخلاق مثلا، والجزاء نوعان:

– مانع: ويهدف إلى منع الأفراد للقيام بعمل ما.

– رادع: وهذا يهدف إلى تأنيب المخالف زجراً له وردعاً لغيره.

ويختلف صوره بحسب القانون الذي يحوي هذه القاعدة، فالجزاء الجنائي سجن أو حبس أو غرامة، والإداري بطلان قرار أو عزل من الوظيفة أو خصم أو حرمان من ترقية، والمدني بطلان أو فسخ أو تعويض.

السلوكية

إن سلوكية القاعدة القانونية تعني أنها قاعدة اجتماعية منظمة للسلوك، أي تتعلق بالسلوك الخارجي للفرد لا بنواياه ومقاصده وهذا ما يميزها عن القواعد الدينية والأخلاقية. فالإنسان كما اوضحنا سابقاً لا يستطيع العيش بمعزل عن غيره، وبتعايشه مع الغير تنشأ علاقات بينهم تحتاج إلى تنظيم؛ لمحاولة التوفيق بين مصالحهم المتعارضة، فهنا يأتي دور وجود قواعد منظمة تضبط سلوكهم، وهذه القواعد هي التي تشكل القانون، فحيث توجد الجماعة يوجد القانون، كما أنها تختلف من  مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر في نفس المجتمع، ونظراً لكونها مرتبطة بالجماعة فهي تتطور بتطورهم لتواكب مطالبهم وتلبي احتياجاتهم لذا فالمشرع يتدخل لتعديلها أو تغيرها أو إلغائها عند الحاجة.

مصادر القاعدة القانونية:

وهي المنابع التي تُستمد منها القاعدة القانونية، وقد تكون مصادر رسمية كالتشريع والعرف واحكام الشريعة  الإسلامية، وقد تكون تفسيرية كالفقه والقضاء، أو تاريخية كالشرائع السابقة التي يأخذ منها المشرع حكم قاعدة ما، أو موضوعية أي ترجع لظروف خاصة بكل دولة.

من هنا تعددت مصادرها وتنوعت بين:

التشريع

القواعد القانونية المكتبة التي تصدر وفقاً للإجراءات معينة من السلطة المختصة.
وتسمي القواعد القانونية المستمدة منه بالقانون المكتوب:

العرف

القواعد غير المكتوبة ويقصد به اعتياد الناس بشكل متواتر على سلوك محدد في مسألة معينة لفترة طويلة من الزمن، حتى يصير هذا السلوك ملزم، وهو أقدم المصادر.

أحكام الشريعة الإسلامية

الأحكام الشرعية التي تضمنها كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله (عليه السلام).

مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة

وهي المبادئ العامة التي لا تتغير بتغير الزمان أو المكان، وهي من الأفكار الفلسفية، ويستنبطها القاضي من النظام القانوني في الدولة ككل، ويلجأ إليها عند عدم النص التشريعي أو القاعدة العرفية، ومنها: المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وأيضاً البينة على من ادعي واليمين على من أنكر وغيرهم.

واختلفت الدول في الأخذ بالمصادر الرسمية السابق بيانها تبعاً لمذهبها الفلسفي، فبالنسبة للأنظمة العلمانية فقد حصرت المصادر الرسمية في: التشريع –العرف- مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة، أما الأنظمة الدينية ضمت إليهم احكام الشريعة الإسلامية كمصدر رسمي.

وقد اختلفت الدول أيضاً في ترتيب المصادر الرسمية تبعاً لاختلاف نظامها السياسي، فمنها من يقدم التشريع على العرف  كما في مصر والإمارات وبالتالي يكون مصدرًا أصليًا والباقي احتياطي، ومنهم من يقدم العرف على الشريعة الإسلامية، والبعض يقدم الشريعة الإسلامية على العرف، وآخرون يقدمون الشريعة الإسلامية على العرف و التشريع معا كما في السعودية.

تصنيفات القواعد القانونية:

تتصنف لأنواع عديدة ولكن أهمها من حيث قوة القاعدة القانونية فتنقسم إلى:

قواعد آمرة:

وهي التي لا يجوز للأفراد الاتفاق على مخالفتها، وكل اتفاق يخالفها يقع باطلاً، وتسود فروع القانون العام.

قواعد مكملة:

أي يجوز الاتفاق على مخالفتها، وتسمى مكملة لأنها تكمل الإرادة المشتركة للمتعاقدين عند إغفالهم لمسألة ما في العقد، وهي تسود فروع القانون الخاص.

أقسام القانون:

ينقسم إلى: قانون عام وقانون خاص ولكل منهما فروع.

1- قانون عام (دولة+دولة، دولة +فرد/مؤسسة)

وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات التي تكون الدولة أحد أطرافها باعتبارها صاحبة السلطة والسيادة، وينقسم إلى:

قانون عام دولي وذلك إذا كانت العلاقة القانونية مع دولة أخرى، و قانون عام داخلي متى كانت العلاقة القانونية بين الدولة ومؤسساتها أو رعاياها، و يتفرع العام الداخلي  إلى أربعة فروع أساسية:

القانون الدستوري

 مجموعة القواعد الذي تبين نظام الحكم في الدولة والسلطات العامة فيها، و اختصاص هذه السلطات وعلاقاتها فيما بينها وعلاقاتها بالأفراد عندما تمارس هذه السلطة أعمال السيادة، وأيضاً ينظم حقوق الأفراد السياسية وضمانات هذه الحقوق، ويسمى بالقانون الأساسي؛ لأنه يضع الأسس التي تقوم عليها الدولة، وبالتالي يجب ألا تتعارض معه القوانين.

القانون الإداري

مجموعة القواعد التي تنظم كيفية أداء السلطة التنفيذية لوظيفتها، وكيفية أداء المرافق لوظائفها، وعلاقة هذه المرافق مع بعضها البعض ومع الأفراد عندما تمارس هذه السلطة أعمال السيادة، كما أنه يحدد الأموال العامة والنظام القانوني لها.

القانون المالي

مجموعة القواعد المنظمة للمالية العامة للدولة، وإيراداتها ونفقاتها، وأيضاً ينظم العلاقة المالية بين الأفراد أو الهيئات والسلطة العامة. مثل: قانون الضرائب العقارية.

القانون الجنائي

مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم المعاقب عليها والعقوبة المنوطة بكل جريمة، وتنظيم عمل المحاكم الجنائية. ويشمل نوعين من القواعد: قواعد تحدد الجرائم وعقوباتها ويسمى هذا قانون العقوبات، وأخرى تحدد الإجراءات الواجب اتباعها أمام المحاكم الجنائية ابتداءً من وقوع الجريمة وصولاً إلى توقيع العقاب على المتهم، وهذا يسمى قانون الإجراءات الجنائية.

2- القانون الخاص (فرد + فرد)

 القواعد التي تنظم العلاقة بين الأفراد أو بينهم وبين الدولة ولكن باعتبارها فرد عادي لا صاحبة سلطة وسيادة. و يتفرع إلى:

القانون المدني

يعتبر الشريعة العامة للقانون الخاص ومنه تفرعت باقي فروع القانون الخاص كالقانون التجاري وغيره، وهو مجموعة القواعد المنظمة للعلاقة بين الأفراد، فلا تخلو تعاملات الأفراد اليومية من أحكام القانون كعمليات البيع و الشراء والرهن.

قانون العمل

 وهذا ينظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل الذي يعمل لديه بأجر وتحت إدارته و إشرافه، وهو فرع حديث النشأة إذ كان يُرجع في هذا الشأن للقانون المدني.

القانون التجاري

مجموعة القواعد المنظمة لعمل التجار و الشركات في المجتمع، مثل قانون التجارة المصري 1999.

القانون البحري والجوي(قانون التجارة البحري والجوي)

فالبحري ينظم العلاقات الناشئة عن الملاحة البحرية من عقود نقل الأفراد والبضائع، وإنشاء السفن وشراءها وبيعها وتسجيلها والتأمين عليها واستخدامها، مثل عقد  العمل البحري.

والجوي ينظم العلاقات الناشئة عن الملاحة الجوية عن طريق استعمال الطائرات.

وتعد الاتفاقيات الدولية الخاصة بالنقل البحري والجوي مصدراً لها لا يجوز مخالفته.

قانون المرافعات (المحاكمات) المدنية والتجارية

مجموعة القوانين المنظمة للإجراءات الواجب اتباعها أمام المحاكم، للوصول إلى حماية الحق المتنازع فيه.

القانون الدولي الخاص

وهذا ينظم العلاقات ذات العنصر الأجنبي بين الأفراد، وذلك من حيث المحكمة المختصة والقانون الواجب تطبيقه.

 

نهايةً القانون ليس مجرد نصوص تكتب لنقرأها، بل قواعد تصاغ لتنفذ؛لتكون أمناً لأبنائها، فالشعب يكون قوياً وآمناً عندما تكون لأنظمته القانونية قوة تؤهلها لتنظيم سير المجتمع.

كتبت / أميرة أحمد سلامة

2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى