إسلامياتالقرآن الكريم

تحليل وتفسير قصة أصحاب الجنة في سورة القلم

يجب أن تقدم العبرة والفائدة، حيث يتم سرد العديد من القصص والحكايات بين الناس يومياً، ولكن قليل منها يحمل فعلاً عبرة وفائدة، وذلك لأن الجميع ليس بإمكانهم التمييز بين القصص المفيدة وغيرها بناءً على ما يراودهم من أفكار وتجارب سابقة، حيث يلزم الاستماع بانتباه واستخلاص الدروس والمواعظ والتعلم منها، وسنتحدث لاحقاً عن قصة مميزة أصحاب الجنة في سورة القلم، لكنّني أريد منك أن تفعل شيئاً قبل الحديث.

أريد منك أن تتصور معي جميع قصص البشرية منذ سيدنا آدم حتى يوم القيامة، و الأحداث المروعة والحوادث التي ستحدث. افترض أنك تعلم عن كل هذه القصص والأحداث، والآن عليك اختيار عدد محدد من القصص التي يمكنك أن ترويها للناس ليأخذوا العبرة منها. فكيف ستختار من بين الملايين من القصص؟

تعتبر قصة أصحاب الجنة التي توجد في سورة القلم من أهم القصص التي اختارها الله لنا لنستفيد منها ونتعلم منها. فلقد اختار الله لنا بعضا من تاريخ البشرية لنستفيد منه، وهذه القصة تحكي عن فوائد عديدة نحن سنتحدث عنها في حديثنا، إن شاء الله. إن الله تعالى يمثل أعلى المثل في كل شي

اقرأ أيضًا.. قصة أصحاب الأخدود للأطفال في القرآن الكريم والدروس المستفادة.

من هم أصحاب الجنة في سورة القلم

من هم أصحاب الجنة في سورة القلم

يُحكى أنّ بعض الأسلاف قد قالوا إنّ إخوة الجنة هم خمسة، يعيشون في اليمن ويملكون أباً لهم يملك جنةً كبيرةً بها الكثير من الزروع والمحاصيل الصالحة. وفي وقت الصرام، يأخذ الأب ثلث المحصول ويستخدم ذلك المال لصيانة الجنة، ويحفظ الثلث الثاني من المحصول لإطعام أفراد عائلته خلال السنة، والثلث الأخير يقدم للفقراء والمحتاجين.

عند وفاة والدهم، أصبحوا يعتقدون أنهم لا يرغبون في الاستمرار في الفعل الذي كان والدهم يقوم به، وتم وصف فعل والدهم بأنه حمق، حيث كان ينفق ثلث ثروته على الفقراء، بينما كان بإمكانه زيادة ثروته بشكل أكبر وقد ذُكرت قصتهم في سورة القلم.

قصة أصحاب الجنة في سورة القلم مختصرة

تبدأ الحكاية في القرآن بطريقة غريبة، إذ لم يتم ذكر أنهم إخوة ولهم أب ينفق على الفقراء، وهكذا. وتبدأ الحكاية في السورة حيث قال الله تبارك وتعالى:

“إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ، إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ”

بدأت الحكاية بتوحيدهم واتفاقهم على جني الثمار من بستانهم في الصباح الباكر قبل وصول الفقراء، كما كان يفعل أبوهم الذي كان يتصدق للفقراء. ويمكن فهم ذلك من خلال تفسير الآية الأخرى التي تأتي بعدها “ولا يستثنون”، أي لا يتركون أي شيء من ثمار بستانهم للمحتاجين والفقراء.

وقام الله تعالى بتدمير جنتهم بسبب فعلهم هذا، حيث لم يترك الله شيئًا يستطيعون الاستفادة منه فيها. وعندما ذهبوا إلى الجنة في صباح اليوم الذي تم الاتفاق عليه، اكتشفوا مدى تدمير الله سبحانه وتعالى للجنة، وندموا على ما فعلوه، فهذه هي القصة بشكل مختصر وسنحاول أن نشرحها قليلاً.

تفسير قصة أصحاب الجنة في سورة القلم

تفسير قصة أصحاب الجنة في سورة القلم

توجد هذه الحكاية في سورة القلم، وتبدأ من الآية 17 إلى الآية 33، وسوف نشرح المزيد عن القصة ودورها في هذه السورة العظيمة.

سياق قصة أصحاب الجنة في سورة القلم

1- بداية سورة القلم

قبل أن تبدأ قصة أصحاب الجنة في سورة القلم، تذكر السورة بعض مما يقولونه الكفار عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه مجنون، ولكن الله سبحانه يخبره أنه ليس مجنونا بل ان الله تفضل عليه بالنبوة والكمال البشري من الخلقة والخلق الحسن.

<مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ> فالباء في ‘نعمة’ تعني السببية، وبذلك يكون المعنى بأنك لست مجنونا بسبب الوحي الذي أنعم الله به عليك والذي يزعم البعض أنه منشأ لجنونك. بالعكس، لك أجرٌ لا يمكن إهدارها، وهو أفضل الأجور التي يمكن لخلق الله الآخرين أن يأتوا بها في جميع الأحوال. فلا يزال الله قد اصطفاك صلى الله عليه وسلم لتحقيق الخير والفضل في بين خلقه، وهذا يعني أنك لا تزال قدوة لكل مسلم. ولقد كنت دائمًا ذو أخلاق عظيمة وأدب حسن، حيث قال الله تعالى” وإنك لعلى خُلق عظيم” أي أدب عظيم حيث أدبه ربه سبحانه وتعالى. 

بعدما تم تبرئة ربنا التي سبحانه وتعالى من ادعاءات المشركين، يخاطب الإنسان ويخبره أن ربه هو الذي يعلم من ضل عن طريقه والذين اهتدوا إليه، لذا لا ترهق نفسك عليهم بأسفك وحسرتك، فإن الله لا يظلم أحدًا، بينما الناس يظلمون أنفسهم وقد قال الله عنهم في كتابه العظيم”إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ”.

2- صفات أمر الله نبيه ألا يُطيع صاحبها

ثم أمر ربنا نبيه بعدم الانصياع للكذابين، الذين يوصفون أيضًا بأنهم “حلاف” أي يحلفون كثيرًا بالباطل، و”مهين” أي مستصغرين، وهو أيضًا “هماز” أي يتبع عيوب الآخرين، و”مشاء بنميم” أي يروج النميمة بين الناس، وهو “مناع للخير” يكتم الأموال ويمنع الخير عن الآخرين ويحول دونهم.

الشخص الذي يعتدي على الناس بأموالهم وأنفسهم يطلق عليه اسم “مُعتَدٍ أثيم”، ويتميز هذا الكافر بأنه “عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ” أي أنه لا أدب لديه ويزعم أشياء غير صحيحة عن نفسه. ويستند العلماء إلى هذه الصفات عندما يصفون الوليد بن المغيرة وغيره الذين يشبهونه في هذه الصفات.

3- علاقة من اتصف بهذه الصفات بقصة أصحاب الجنة

إذا كان أحد سكان مكة ذو هذه الصفات المذكورة وكان يمتلك عائلة ومالًا فإن النعمة سوف تجعله يتمادى في الغرور، وعندما يتم تلاوة آيات الله له، يستهزئ بها وينظر إليها ويقولون (أساطير الأولين) ويخطئ باستخدام نعمة الله عليه. فإن الله يمنح القوة والمال والعائلة لاختبار الإنسان، وليس ليتكبر ويشعر بالمجد دون اعتماده على الله.

يخبر الله سبحانه الكفار من سكان مكة وغيرهم بأنهم لا يتعاملون بالطريقة الصحيحة مع اختباراتهم، حيث إن اختبارات الله سبحانه تأتي إما بالنعم أو النقم، كما قال ربنا سبحانه “وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً”. وفي حال النعم يطلب العبد الشكر، وفي حال النقم يطلب الصبر. ويعتبر العبد الذي يستغني عن ربه بما أنعم عليه من أكبر الأخطاء.

4- قصة أصحاب الجنة وتصحيح مفهوم الابتلاء

في هذا النص، يتحدث الله إلى الكفار عن قصة أصحاب الجنة ويشبهها بحالهم. ويريد الله أن يذكرهم بأمن ورخاء مكة وإطعامهم من الجوع، بينما كانت المناطق المحيطة بهم تشهد الحروب بين الفرس والروم وغيرهم. ومع هذا، استغنى الناس في مكة بنعيمهم وظنوا أنهم هم المالكون الحقيقيون لها. ولكن الله أراد تذكيرهم بأصحاب الجنة الذين اعتقدوا أيضًا أنهم استغنوا بنعمة الله عنه ولكنهم لم يعرفوا أنها من رحمة الله عليهم. والهدف من هذا التذكير هو ليرتدع الناس ويعودوا إلى ربهم.

عندما قرر الاخوة عدم مساعدة الفقراء، عاقبهم الله بجعل جنتهم كالليل الأسود وذلك بسبب احتراق جنتهم وعندما ذهبوا في الصباح الباكر، كانوا مصممين على تحقيق قرارهم، ولكنهم وجدوا بستانهم قد دمر، مما جعلهم يشعرون أنهم ضلوا طريقهم.

عندما فكروا قليلا، أدركوا أن الجنة كانت مكانهم. وقالوا إنهم حرموا منها بسبب نياتهم السيئة. وأحد الأشخاص ذكرهم باسم الله وحاول كبح رغبتهم في الخطيئة، وفيما بعد ندموا وتوبوا، وأدركوا أنهم تجاوزوا الحد في فعل المعصية، ولكن الله حماهم ودمر جنتهم كعقاب. وكان ذلك مثالاً لهم للعودة إلى الله والتوبة، والرجاء منهم بالعفو وإعطائهم جنة أفضل من السابقة.

5- الطريقة الصحيحة للتعامل مع بلاء النعمة

يتضح من هذا النص أن الاحتفاظ بالنعمة يتطلب شكرها ، وإذا بقيت النعمة مع الإنسان الجاحد ، فعلى الإنسان أن يحترس من الاستدراج ، حيث يمكن أن يزيد الإثم ويصبح من الصعب على الإنسان التراجع عنه . وبمنَّة الله تعالى ، فهو ينبه خلقه بالبلاءات حتى يعودوا إلى الله ، وفي وقت مناسب يكون العودة إلى الله تعالى مرة اخرى، والندم والتوبة على ما يفعلون مثل أصحاب الجنة .

اقرأ أيضًا.. كل ماتريد معرفته عن قصة أصحاب الفيل للأطفال الحقيقية.

الأسئلة الشائعة في مقالتنا قصة أصحاب الجنة في سورة القلم

شخصيات قرآنية، أصحاب الجنة من هم؟

الأشخاص الذين يملكون الجنة هم إخوة، وهم عزموا على عدم إعطاء أحدٍ من الفقراء أيًّا من الموارد التي يحصلون عليها من جنتهم. ونظرًا لنيتهم السيئة، فقد عاقبهم الله العظيم. لذلك، نادمون وتابوا.

العبرة من قصة أصحاب الجنة

التعامل السليم مع الابتلاءات من عطايا الله يعتمد على نوعية الابتلاء، فإن كان الابتلاء بنعمة فنعرب عن الشكر ونؤدي الحق الواجب علينا، وإن كان الابتلاء بالسوء فنظهر الصبر والرضا بقضاء الله، ونستغفر منه، ونراقب النعم الأخرى التي أُنعِمت بها لنا.

في مقالتنا هذه، حاولنا إيجاز قصة “أصحاب الجنة” المذكورة في سورة القلم، مع ذكر هوية هؤلاء الأشخاص وشرح العلاقة بين بداية السورة وقصتهم. كما ذكرنا بعض الفوائد والعبر المستفادة من هذه القصة، ودعونا الله أن يعلمنا من كتابه ويجعلنا من أهل القرآن معكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى