هكذا يحكمنا القانون.. النطاق الزماني لتطبيق القانون
هكذا يحكمنا القانون.. النطاق الزماني لتطبيق القانون
القانون قواعد تنظم سلوك أشخاص في مجتمع ومن ثم فهو يرتبط بهذا المجتمع ويتطور بتطوره فيختلف من زمان لأخر، وقد تدعو الحاجة إلى تعديل في قاعدة ما أو إلغائها وإعمال قاعدة جديدة نتيجة لحدوث تغير في الظروف الاقتصادية والاجتماعية، إلا إن إلغاء قاعدة وإحلال أخرى محلها قد يؤدي إلى حدوث تنازع بينهما وذلك في حالة نشوء مراكز قانونية في ظل القانون القديم واستمرارها حتى نفاذ القانون الجديد، فلا يُعرف أياً منهما يطبق.. من هنا تنشأ مشكلة تنازع القوانين من حيث النطاق الزماني تطبيقها.
علي سبيل المثال لو أوصى شخص لآخر بنصف تركته في ظل قانون يجيز هذا ثم صدر قانون جديد بعد وفاة الموصي وقبل تنفيذ الوصية بعدم جواز الوصية فيما يزيد على الثلث، فهل يطبق القانون الجديد ويأخذ الموصي له الثلث دون النصف أم يأخذ النصف باعتبار صدور الوصية في ظل القانون القديم؟!
فهنا وُجد تنازع بين قانونين و للإجابة علي هذا الافتراض يتعين معرفة ماهية الإلغاء ثم نعرف الحلول الممكنة محاولةً لتحقيق أكبر قدر من الاستقرار للمراكز القانونية عند وجود تنازع بين القوانين التي تحكمها.
إلغاء القاعدة القانونية
وقف العمل بها وتجريدها من قوتها الملزمة ابتداءً من وقت إلغائها. وقد يكون هذا الإلغاء بغرض استبدالها بقاعدة أخرى، أو الاستغناء عنها بشكل تام.
السلطة المختصة بالإلغاء
تختلف السلطة التي تملك حق الإلغاء باختلاف نوع القاعدة ومرتبتها، وتختص كل سُلطة بما أصدرته فالسلطة التنفيذية مثلاً لها أن تلغي ما أصدرته ولكن لا يجوز للسلطة التشريعية إلغاء ما أصدرته التنفيذية، وكذلك التشريعية تملك إلغاء ما أصدرته من تشريعات ولا تملك السلطة القضائية مثلا إلغاءها وهكذا، فلابد من مراعاة مبدأ تدرج التشريعات في القوة، فلا يلغي تشريع إلا بتشريع مثله أو أعلى منه فالقاعدة المعرفية لا تلغي تشريعًا ولكن تلغي قاعدة عرفية مثلها.
و الإلغاء قد يكون صريحاً أو ضمنياً، فيكون صريحاً في حالتين أولهما عندما يحتوي القانون الجديد علي نص بإلغاء القانون القديم بشكل كلي أو جزئي، ويكون ذلك بعبارات واضحة لا تحتمل معاني أخرى، وثانيهما عندما يكون تطبيق القانون محددًا بمدة معينة أو أن يكون نفاذه رهناً بتحقق ظروف محددة فيلغي بانقضاء المدة أو تحقق الظروف.
ويكون ضمنياً في حالتين أيضاً وذلك عند وجود تعارض بين القانون الجديد والقديم فيعتبر الجديد عندئذ لاغياً أو ناسخاً للقديم، ويكون أيضاً عند تنظيم القانون الجديد لنفس موضوع القانون القديم.
المبادئ التي يقوم عليها النطاق الزماني للقانون
حاول التشريع والفقه الوصول إلى حلول لمنع وقوع تنازع بين القوانين وكان من أهم هذه الحلول مبدآن هما عدم رجعية القانون والأثر الفوري للقانون.
أولاً: مبدأ عدم رجعية القانون
يقتضي هذا المبدأ أن القانون الجديد يطبق علي الوقائع التي تحدث منذ وقت نفاذه دون الوقائع الماضية، وهو مبدأ عام لا يقتصر علي فرع معين من فروع القانون.
الاعتبارات القائم عليها هذا المبدأ
1- الأثر غير الرجعي للقانون يحقق استقرارًا للمراكز القانونية التي تمت في ظل القانون السابق واستمرت أثارها إلى صدور القانون الجديد، و القول بغير ذلك يؤدي إلى اضطراب المعاملات بين الأشخاص.
2- الاعتداد بهذا المبدأ يتضمن نوعاً من العدالة، فوفقاً لهذا المبدأ يطبق القانون الجديد على الوقائع التي تحدث منذ نفاذه لا وقائع ماضية، فمن غير العدل الحكم على أشخاص وفقاً لقانون لم يكن موجوداً
3- من غير المنطقي تطبيق قانون جديد علي واقعة حدثت قبل وجوده من الأساس.
الاستثناءات الواردة على هذا المبدأ
1- النص الصريح علي رجعية القانون:
للمشرع النص على رجعية القانون، حيث أن عدم الرجعية تقيد القاضي دون المشرع بمعني أنه للمشرع الحق في النص على رجعية القانون الجديد فيسري على الماضي وذلك متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، وحينها يجب عليه النص صراحة علي رجعية هذا القانون، وإذا نص المشرع على ذلك لا يحق للقاضي عدم إعمال الرجعية والعكس صحيح.
2- القانون الجنائي الأصلح للمتهم
عندما يصدر قانون جنائي جديد في صالح المتهم عن القانون القديم يسري الجديد دون القديم، وذلك مشروط بأن يصدر هذا الجديد قبل النطق بالحكم النهائي، ويكون الجديد أصلح للمتهم إذا كان فيه تخفيف العقوبة له أو إزالة صفة التجريم عن الفعل المجرم الذي ارتكبه.
3- القوانين المتعلقة بالنظام والآداب العامة
فهذه القوانين لا تخضع لمبدأ عدم الرجعية حتى لو لم ينص علي ذلك لتعلقها بالنظام العام وهي قواعد آمرة مطلقة، فلا يجوز لشخص مخالفتها حتى لو كان اكتساب حقه سابق على صدور هذا القانون لأنه لا يجوز الاحتجاج بحق أصبح مخالفاً للنظام العام.
وتلك كانت الاستثناءات الواردة على مبدأ الرجعية وهناك بعض الفقهاء تذهب إلى القول بوجود استثناء رابع هو القوانين التفسيرية وذلك عندما يصدر قانون جديد يفسر ما غُمض في القانون القديم، فيسري الجديد على الوقائع التي حدثت في ظل القديم واستمرت حتى نفاذ الجديد، إلا إن الرأي الراجح لا يعتبر أن هذا استثناءً لأن الجديد جزءٌ لا يتجزأ من القانون القديم وكل ما هنالك أنه يوضح ما شابه من غموض.
ثانياً: الأثر الفوري للقانون
ويقتضي هذا المبدأ سريان القانون الجديد على الوقائع التي تحدث منذ لحظة نفاذه، وأيضاً الوقائع التي نشأت في ظل القانون القديم واستمرت حتى نفاذ الجديد.
فمبدأ عدم الرجعية لا يكفي وحده لحل مشكلة تنازع القوانين بل لا بد من معرفة أي القوانين أولى بتطبيقه من هنا ظهرت الحاجة إلى مبدأ يكمله فكان الأثر الفوري للقانون.
نذكر المثال السابق بشأن الوصية فالحل حينها يكون في نفاذ القانون الجديد الذي لا يجيز الوصية فيما يزيد عن الثلث إعمالاً للأثر الفوري للقانون.
الاعتبارات التي يقوم عليها مبدأ الفورية
يهدف هذا المبدأ إلي وحدة القوانين الصادرة بشأن تنظيم موضوع معين، لتفادي الازدواجية بينهما، بالإضافة إلى استقرار المراكز القانونية التي نشأت بموجب القانون السابق.
الاستثناءات الواردة على مبدأ الفورية
هناك حالات يعمل فيها بالأثر الرجعى لا الفوري للقانون وهي:
1- النص الصريح على عدم إعمال الأثر الفوري للقانون، فيجوز المشرع أن ينص على تأجيل العمل بهذا القانون لوقتٍ لاحق متى تطلبت المصلحة ذلك.
2-إذا أخل عدم التطبيق بأثر رجعي للقانون بالنظام والآداب العامة، فالمصلحة العامة تقدم على الخاصة.
إذاً يطبق القانون الجديد إعمالاً للأثر المباشر للقانون على الوقائع التي تحدث منذ نفاذه وأيضاً التي استمرت حتي نفاذ الجديد مع مراعاة الاستثناءات الواردة، ويطبق مبدأ عدم الرجعية علي الوقائع التي وقعت وانتهت في الماضي مع مراعاة الاستثناءات الواردة عليه أيضاً.
ولمعرفة المزيد عن القانون فننصحك بقراءة مقال للقانون وجوه أخرى: المدخل إلى العلوم القانونية.
أميرة سلامة
هذا ما توصل إليه فريق بحث Dal4you