بيعة العقبة الاولي – الحلقة – 12 –
بيعة العقبة الاولي | السيرة النبوية الشيخ راغب السرجانى الحلقة 12
البيعة اختُصّت الحضارة الإسلاميّة بنظام البيعة؛ فلم تكن الحضارات السابقة تعلم بنظام البيعة أبداً، والبيعة تتعلّق بالطّاعة والولاء للحاكم؛ إلا أنّها تدلّ أيضاً على إشراك الرعيّة في الأمور السياسيّة وعدم حصرها في كبار شّخصيات الدّولة، وذلك من مظاهر التقدّم في التاريخ الإسلاميّ، والبيعة في الشّرع هي العهد لوليّ الأمر والرّاعي للمسلمين من قِبَل رعيته بطاعته وامتثال أوامره فيما يرضي الله تعالى، وإعطائه الحقّ في سياستهم وتطبيق شرع الله -تعالى- فيهم فيما يتعلّق بأمور الدّين والدّنيا على أكمل وجه، وليس في البيعة تفريق بين الرجل والمرأة، أو بين الكبير والصغير؛ لحرص الإسلام على بثّ روح المسؤوليّة في نفوس جميع المسلمين، وإشعارهم بأهميّة التشاركيّة لتحقيق الخير للمجتمع والأمّة.
بيعة العقبة الاولي شعر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن الدّعوة الإسلاميّة مقبولة في يثرب أكثر من قبولها في مكّة المكرّمة، والإشارات تدلّ على إمكانيّة استقبالها لدّعوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مع أنّ غالب أهلها مشركين؛ إلّا أنّهم لم يرفضوا الدّعوة ولم يعادوها كما فعل أهل مكّة، والرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان حريصاً على تأسيس نواة للدولة الإسلاميّة فعقد معهم بيعة العقبة الأولى، نسبةً لاسم المكان الذي عُقدت فيه، ووصفت بالأولى لتمييزها عن بيعة العقبة الثّانية التي حدثت بعد عام من البيعة الأولى في ذات المكان.
بعد أن قضى النبي رحلة طويلة في تبليغ الرسالة لقريش، وبعد أن كذبوه وصدقه الصحابة رضوان الله عنهم، استمر النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، فكان ينتهز قدوم مواسم الحج لتبليغ دعوته، وكان يدعو الناس للإيمان بالله وترك الشرك وعبادة الأوثان، فاستمر في دعوته رغم ما واجهه من صعوبات التي كانت تواجهه، فكان يواجه تلك الصعوبات بالتحمل والصبر واليقين والثبات، مغتنماً من الفرص لنشر دعوته بين الناس، باحثاً عن جهة يدعو بها تحول دون قريش وظلمها، ليتمكن من تبليغ دعوته فكان يخرج للأسواق في مواسم الحج يقابل القبائل العربية ويعرض دعوته عليهم.
وفي العام الحادي عشر من البعثة النبوية، قدم وفدين من اكبر قبائل المدينة من الأوس والخزرج، جاءوا من المدينة، واستمعوا لدعوته عليه الصلاة والسلام، فصدقوه وامنوا بدعوته ، وفي العام الذي يليه ، عادوا مبايعين النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن اخبروا قومهم بالذي سمعوه، وسُميت هذا البيعة “ببيعة العقبة الأولى”، وكانوا اثنا عشر رجلاً من الخزرج واثنان من الأوس، وقد طلبوا من النبي أن يرسل معهم من يعلمهم قراءة القران، فأرسل عليه الصلاة والسلام معهم مُصعب بن عُمير، وأطلق عليه آنذاك اسم “سفير الإسلام” لما أبلاه من جُهد في نشر الدعوة وتبليغ الإسلام، وبدأ ينتشر الإسلام انتشاراً واسعاً في المدينة، فدخل الإسلام عمرو بن الجموح وأبناءه، واسلم طفيل بن عمرو وهو سيد دوس، وهي إحدى قبائل المدينة، فانتشر الإسلام انتشاراً باهراً في ذلك العام.