مقالات متنوعة

أفضل أوقات الدعاء

المقدمة 

الحمد لله الذي خلقنا فأحسن خلقنا، رفع السماوات بغير عمد، وبسط الأرض وسخر لنا ما عليها، ووهبنا السمع والبصر والفؤاد، والكثير من النعم التي لا نحصيها عدًّا، يقول تعالى:” وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ”

ومن أعظم ما منّ الله به علينا، عبادة الدعاء، العبادة الشريفة التي يحبها الله، تتحقق بها الأمنيات، وتُدفع بها السيئات، وتُفتح بها أبواب الرحمة والجنّات، ويقول تعالى:” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ

وقال:” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ

وما أجملها من آياتٍ يُطمئن الله بها قلوب عباده المؤمنين، و يَعدهم بالإجابة كلما لجأوا إليه ورفعوا أيديهم إلى السماء ينادونه ويناجونه.

صور إجابة الدعاء

وإجابة الدعاء لها صور تحمل معنى الاستجابة ..

1-  وأول صورةٍ هي تلك التي لا نراها ” كتابة أجر الدعاء”، أليس الدعاء عبادة؟ 

قال الرسول صلى الله عليه وسلم “وربما تتمنى يوم القيامة أنك واصلت في الدعاء وواصلت، وربما أنه لم يستجب لك شيء حتى تواصل من عظم ما ترى من أجر الدعاء الدعاء عبادة”.

2- وثاني صور الإجابة هي أن يرفع الله بدعاء المرء سوءًا كان سيصيبه، فيصرفه الله عنه برحمته وبذاك الدعاء.

3- الصورة الثالثة هي أن يُعطى ما سُئل، وفي الحديث الشريف: “ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذاً نكثر! قال: الله أكثر”.

أفضل أوقات الدعاء

الدعاء مشروعٌ في كلٍ وقتٍ وحال، لكن هناك أوقاتٌ لا يرد فيها دعاء، لذلك يستحب للمسلم أن يتحرّاها و يغتنمها، ومن هذه الأوقات:

( اضغط على النقطة التي تريد أن تطلع على شرحها وأدلتها )

الشرح والأدلة 

1- الدعاء في وقت السحر وجوف الليل :

فمن أفضل أوقات الدعاء التي يستحب للمسلم الدعاء فيها، وهي من الأوقات التي يجاب فيها الدعاء، جوف الليل وآخره، ففيه ساعةٌ لا يرد فيها سائل وقد ثبت عنه ﷺ أنه قال:” يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ”

وعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ”  مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الحَمْدُ لِلَّهِ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا، اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ “.

وقال تعالى: “وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ

2-  ما بين الأذان و الإقامة  :

أغلب الناس يلهون عن هذا الوقت العظيم، وينشغلون بأعمال الدنيا عنه بدلًا من استثماره، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة”، وفيه إخبار من النبي أنه لا سائل سيرد في هذا الوقت، وقوله ” بين الأذان والإقامة” يعني من كل صلاة سواء كانت الفجر، ظهر، عصر، مغرب، أو عشاء.

ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاءٌ خاص يُقال بين الأذان والإقامة، لكن يستحب للإنسان أن يدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة، ويحرص على جوامع الدعاء، مثل ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201]، ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾ [آل عمران: 8]، ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147] وما أشبه ذلك من الأدعية الجوامع التي تحتوي على معانٍ عظيمة بألفاظ موجزة مختصرة.

3- السجود :

واقع الأمر أن وضع السجود هو أكثر أوضاع الصلاة خضوعًا لله عزَّ وجلَّ، وهو من الأوقات التى ترجى فيها الإجابة، وقت السجود يقول عليه الصلاة والسلام: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء” ويقول ﷺ: «.. فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ عزَّ وجلَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ؛ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»

4- يوم الجمعة :

ففي هذا اليوم ساعةٌ لا يرد فيه الدعاء، وقد اختلف العلماء حول وقت هذه الساعة، ولكن الراجح في هذه الأقوال أنها الساعة التي بين أذان الجمعة وانقضاء الصلاة ، وكذا الساعة التي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس.

  • أما دليل الساعة الأولى :

 فهو حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – يعني في ساعة الجمعة – : (هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإِمَامُ إِلى أَنْ تُقْضَى الصَّلاَةُ)

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

“وقد اختلف السلف في أيهما أرجح ، فروى البيهقي من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة النيسابوري أن مسلماً قال : حديث أبي موسى أجود شيء في هذا الباب وأصحه ، وبذلك قال البيهقي ، وابن العربي ، وجماعة ، وقال القرطبي : هو نص في موضع الخلاف فلا يلتفت إلى غيره ، وقال النووي : هو الصحيح بل الصواب ، وجزم في ” الروضة ” بأنه الصواب ، ورجحه أيضاً بكونه مرفوعاً صريحاً ، وفي أحد الصحيحين” انتهى .

  • وأما دليل الساعة الثانية:

فهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يَوْمُ الجُمُعة ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ، لاَ يُوجَد فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ الله شَيْئاً إِلاَّ آتَاهُ إِيَّاهُ ، فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ العَصْر)

قال الإمام أحمد : أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرجى فيها إجابة الدعوة : أنها بعد صلاة العصر ، وتُرجى بعد زوال الشمس . ونقله عنه الترمذي .

5- آخر كل صلاةٍ قبل التسليم :

يشرع للمسلم الدعاء في آخر صلاته قبل السلام، بل وهي من الأوقات التي ترجى فيها الإجابة، لأن النبي ﷺ لما علمهم التشهد قال: ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو.

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: “السُّنَّة الَّتي كان النَّبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – يفعَلُها ويأمُرُ بِها: أن يدعُوَ في التَّشهُّد قبلَ السَّلام؛ كما ثَبَتَ عنْهُ في “الصَّحيح”: أنَّه كان يقول بعد التَّشهُّد: «اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من عَذَابِ جهنَّم، وأعوذُ بِكَ من عذابِ القَبْرِ، وأعوذُ بِكَ من فِتْنَة المَحْيا والمَمات، وأعوذُ بك من فِتنة المسيح الدَّجَّال»، وفي الصَّحيح أيضًا: أنَّه أَمَر بِهذا الدعاء بعد التَّشهُّد.

وكذلك في الصَّحيح: أنَّه كان يقولُ بعد التَّشهُّد قبلَ السَّلام: “اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ، وما أَسْرَرْتُ وما أَعْلَنْتُ، وما أنتَ أعْلَمُ به منِّي، أنتَ المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت”

6- الدعاء عند السفر :

تفيد عموم الأحاديث الشريفة أن الدعاء وقت السفر مستجاب، سواءً كان للطاعة أو للأمور المباحة، فقد روى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده.”

ذلك لأن السفر كله مظنة لحصول انكسار النفس وتحمل المشاق؛ قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم «ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟”

قال: “هَذَا الْكَلَامُ أَشَارَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آدَابِ الدُّعَاءِ، وَإِلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَتَهُ، وَإِلَى مَا يَمْنَعُ مِنْ إِجَابَتِهِ، فَذَكَرَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ أَرْبَعَةً: أَحَدُهَا: إِطَالَةُ السَّفَرِ، وَالسَّفَرُ بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي إِجَابَةَ الدُّعَاءِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ» خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ”

7- الدعاء ليلة القدر :

ففي هذه الليلة تهبط الملائكة وجبريل عليه السلام من كل سماء، ومن سدرة المنتهى، فينزلون إلى الأرض ويؤمّنون على دعاء الناس، إلى وقت طلوع الفجر.

ومن الأدعية المستحبة في تلك الليلة: 

” اللهم إنك عفوّ تحب العفو فاعفُ عني”، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة لما قالت له: أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر، ما أقول فيها ؟ قال : قولي ” اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني “.

8- عند النداء للصلوات المكتوبة وعند التحام الصفوف في المعركة :

وهذا كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً : ” ثنتان لا تردان ، أو قلما تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضاً “

9- وقت نزول المطر :

فهي من الأوقات التي ترجى فيها الإجابة وذلك كما في حديث سهل بن سعد مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ثنتان ما تردان: (الدعاء عند النداء وتحت المطر )

10- عند شرب ماء زمزم :

فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ماء زمزم لما شرب له “. 

 

هذا ويجب على المسلم أن يستثمر تلك الأوقات ولا تشغله مُلهيات الدنيا عن اغتنامها والدعاء فيها، نسأل الله تعالى أن يغفر لنا ويرزقنا دعاءً مستجابًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى