السيرة النبوية

المرحله المدنية 1 قيام دولة الإسلام – الحلقة – 15 –

قيام دولة الإسلام :

دولة الإسلام هي الدولة التي تستمدّ أحكامها فيما يتعلق بنظام الحكم وشؤون الدولة من الشريعة الإسلاميّة، فلا يقتصر دور الدولة المسلمة على ضمان الأمن والاستقرار للمجتمع وردّ العدوان الخارجيّ عنه فقط، بل يتعدّاها إلى التكفّل في تنفيذ أحكام الإسلام في جميع مناحي الحياة، وإدارة الدولة بما يتوافق مع أحكام الشريعة، بالإضافة إلى نشر الدعوة الإسلاميّة في جميع أنحاء العالم، وإزالة أيّ عائقٍ يمنع وصول الإسلام إلى الناس، مصداقاً لقول الله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)، ولذلك أطلق الفقهاء على الدولة المسلمة اسم دار الإسلام.

مراحل قيام الدولة الإسلامية في عهد الرسول على الرغم من أنّ قيام الدولة المسلمة التي أسّسها رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن ليتمّ لولا العناية الربانيّة والتوفيق الإلهيّ، إلّا أنّ ثمّة أسباباً دنيويّةً، ومراحل للبناء مرّ خلالها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه -رضي الله عنهم- إلى أن أقاموا دولةً قويّةً، لم يسجل التاريخ لمجدها وعزّها مثيلاً، وفيما يأتي بيانٌ لمراحل قيام الدولة في عهد النبيّ عليه الصّلاة والسّلام.

قيام دولة الإسلام في المدينة المنوّرة شكّلت الهجرة النبويّة إلى المدينة المنوّرة المنعرج الأهمّ في قيام دولة الإسلام، حيث أصبح للمسلمين وطنٌ يعيشون فيه، ورجالٌ يدافعون عنهم بحدّ السيف، وحريّةٌ في إعلان مبادئهم وتطبيق شرائعهم، وكانت أوّل خطوات رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في إقامة الأمّة المسلمة بناء المسجد؛ وفي ذلك دلالةٌ على أنّها أمّةٌ قامت على توحيد الله تعالى ونبذ الشرك، وأنّ في توحيد الأمّة لربها صلاح دينها ودنياها، وقد اختار رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- موقع بناء المسجد في المكان الذي بركت فيه ناقته، وكان الموقع لغلامين من الأنصار، فدعاهما النبيّ عليه الصّلاة والسّلام؛ ليشتريه منهم، إلّا أنّهما رفضا ذلك وقالا: (بل نَهِبُه لك يا رسول الله)، ولكنّه أصرّ أن يعطيهما ثمنه، فأعطاهما أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عشرة دنانير، وبنى المسلمون المسجد من الحجارة وجريد النخل، وقد شارك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بنفسه في بناء المسجد، حيث حمل الحجارة مع أصحابه رضي الله عنهم، وكانت الخطوة التالية لبناء المجتمع في المدينة المنوّرة المؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين؛ في إشارةٍ إلى ضرورة الترابط بين أبناء المجتمع الإسلاميّ، وقد ضرب الأنصار -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في الكرم والإيثار؛ حيث استقبلوا إخوانهم المهاجرين بالفرح والسرور، وبذلوا الغالي والنفيس في مواساتهم ونصرتهم، وقد خلّد الله تعالى ذكرموقف الأنصار العظيم في كتابه العزيز، حيث قال: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، وبعد أن تمّت المؤاخاة بين الهاجرين والأنصار، وترابط المسلمون فيما بينهم، عقد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المعاهدات بين المسلمين وسكان المدينة من اليهود؛ ليتمّ بذلك بناء المجتمع الآمن، القائم على التعاون والترابط، وأخيراً وبعد أن تمّ تكوين المجتمع الإسلاميّ، فرض الله تعالى الجهاد على المسلمين، فنشأ بذلك جيشٌ للدفاع عن الأمّة، وتأمين الدولة من كيد الأعداء المتربّصين بالإسلام وأهله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى